كتاب الطهارة 5

الدرس في كتاب الطهارة 5، ألقاها

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

ثم أما بعد، فقبل الدخول في درسنا هذا بإذن الله جل وعلا، ها هنا تنبيهان:

التنبيه الأول: أنه بإذن الله جل وعلا سيكون يوم الثلاثاء أيضاً، يعني استمر في الدرس إلى يوم الثلاثاء، فيكون الدرس بإذن الله عز وجل يوم السبت والأحد والإثنين والثلاثاء.

هذا الأمر الأول.

والأمر الثاني: أنه تقدم معنا في الدرس الماضي أن القول الراجح في الماء إذا خلطته النجاسة سواء كان قليلاً أو كثيراً، بأنه لا ينجس إلا إذا تغيرت أحد أوصافه الثلاثة: الريح أو الطعم أو اللون.

قد يقول قائل: ما الدليل على هذا القول أو على هذا الترجيح؟ والجواب هو ما تقدم ذكره من الأدلة، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي سعيد الخدري عند أصحاب السنن: "الماء طهور، إن الماء طهور لا ينجسه شيء، لا ينجسه شيء." و"شيء" نكرة، والنكرة في سياق النفي تفيد العموم. إذن الماء لا ينجسه شيء.

والإجماع المنقول في المسألة وهو: إلا ما غلب على ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه. هذا مخصص لهذا العموم. وقد سمعتم أنه قد جاء في ذلك حديث. ومن أهل العلم، وها هنا مسألة حديثية يذكر أن الحديث إذا كان ضعيفاً ووقع الإجماع على العمل بذلك الحديث، هل يكون ذلك الحديث صحيحاً باعتبار ما أسنده أو ما يسنده من الإجماع أم لا؟ وهذه مسألة خلافية عند علماء الحديث.

والحاصل والقول الأظهر والله تعالى أعلى وأعلم: أنه يكون حجة، وليس بصحيح. يكون حجة باعتبار أنه قد وقع الإجماع على مقتضاه، والإجماع حجة، وليس بصحيح لأن السند ليس بصحيح. هذا خلاصة القول في هذه المسألة، وإلا فمسائل هذه المسألة كما يقال متفرعة وفيها أخذ ورد عند علماء الحديث. ولعل الله جل وعلا أن ييسر لنا بدراسة سلسلة في مصطلح علم الحديث، نذكر مثل هذه المسائل بإذن الله جل وعلا.

هذا أمر. فنرجع إلى مسألتنا، وهي أن الماء طهور لا ينجسه شيء. هذا عام وخصصه الإجماع إلا ما غلب على ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه. إذن الماء طهور إلا أن تحصل أو تقع فيه نجاسة فتغير أحد أوصافه الثلاثة، فيكون هذا نجيساً. وهذا كما هو واضح في الماء الكثير، لا إشكال في ذلك.

بقي في الماء القليل ومعنا حديث القلتين: "إذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث." ماذا نصنع به؟ فالجواب أن المرجحين للقول المذكور، أي أن الماء يكون طهوراً مطلقاً إلا أن تغير أحد أوصافه بنجاسة، قالوا أو أجابوا عن حديث ابن عمر حديث القلتين:

منهم من حكم عليه بأنه ضعيف مضطرب، مضطرب من حيث السند، ومضطرب كذلك من حيث المتن. فهو مضطرب متناً وسنداً.

ومن صحح الحديث قالوا: على صحة الحديث فقد وجه الحديث بتوجيهات، وهو أن يقال بأن الحديث جاء له سبب، جاء له سببه في أنهم كانوا يضعون النتى في بئر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث." وليس معناه أن الماء القليل إذا وقعت فيه النجاسة يكون ماذا؟ يكون نجساً، ولكنه يكون عرضة، يكون ماذا؟ عرضة للنجاسة أكثر من الماء الكثير. يكون عرضة للنجاسة أكثر من الماء الكثير. واضح هذا؟ جمعها أم لا؟ يعني وجه حديث القلتين على أن الماء إذا كان القلتين، الغالب أنه لا يحمل الخبث، بخلاف إذا كان دون القلتين، فإنه يكون عرضة لحمل الخبث. واضح، لكن هل الخبث متحقق؟ الجواب لا، حتى يتغير طعمه أو لونه أو ريحه.

وبهذا يجمع بين الحديثين، وهذا توجيه لأهل العلم من قال بالقول الذي رجح في الدرس الماضي، وكذلك توجيه آخر، أو توجيه ثالث، وهو قالوا بأن حديث أبي سعيد: "الماء طهور لا ينجسه شيء" عام باق على عمومه، وقد خص من ذلك العموم إذا وقعت فيه نجاسة فتغيرت أحد أوصافه الثلاثة.

وحديث القلتين مفهوم. حديث القلتين مفهوم. وهل يقيد المفهوم أو هل يخصص المفهوم العام الذي في حديث أبي سعيد أم لا؟ فهذه مسألة أصولية، مبناها على هذه المسألة وهي: هل مفهوم المخالفة يقوى على تخصيص العموم أم أن قوة العموم باقية؟ فيبقى العام على عمومه. يبقى العام على عمومه.

والمسألة كما ذكر الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى، قال: "هذه من المضائق، ولا يتفطن لها إلا الأفراد، لا يتفطن لها إلا الأفراد."

فالحاصل، هذا كما يقال، إضاءة للمسألة الماضية. فندخل في مسائل درسنا في هذا اليوم.

طيب، المسألة الرابعة: الماء إذا خلطه طاهر.

قالوا: الماء إذا خلطته مادة طاهرة كأوراق الأشجار أو الصابون أو الأشنان، طيب، أو السدر أو غير ذلك من المواد الطاهرة، ولم يغلب ذلك المخالط عليه، فالصحيح أنه طاهر، يجوز التطهر به من الحدث والنجاسة.

لأن الله سبحانه قال: "وإن كنتم مرضى أو على سفر، أو جاء أحد منكم من الغائط، أو لامستم النساء، فلم تجدوا ماءاً، فتيمموا صعيداً طيباً." فلفظ "الماء" في الآية نكرة في سياق النفي فيعم كل ماء، لأن القاعدة عند علماء الأصول وكذلك عند علماء المعاني، أن النكرة في سياق النفي تفيد العموم.

قالوا: لا فرق بين الماء الخالص والمخلوط. بمعنى أن الماء ما دام أنه يسمى ماءاً فهو داخل في هذا العموم. إذا خالط الماء شيء من الطاهرات، مثل ما ذكرت الصابون، إنسان دخل يغتسل أو يتوضأ، فمثلاً غسل وجهه بالصابون، فنزل ذاك الصابون من يديه أو من وجهه إلى الإناء، فصار في ذلك الإناء صابون وماء. فهل يجوز أن يتطهر بذلك الماء أم لا يجوز؟

كذلك مسألة أخرى أو صورة أخرى: إنسان أخذ شيء من السدر، فوضعه في الماء، أراد أن يغتسل به مثلاً من جنابة، هل يصح التطهر به أم لا يصح التطهر به؟ وما شابه ذلك.

فالمسألة كما ذكرت: الماء إذا خالطه شيء من الطاهرات، هل يخرجه عن طهوريته أم لا؟ والقول الصحيح كما هو هاهنا أن الماء ما دام باق على أصالته وإن خالطه ما خالطه من الطاهرات، فما دام أنه يسمى ماء، فإنه طاهر.

فما دام أنه يسمى ماءاً، فإنه ماء طاهر لعمومات الأدلة: "الماء طهور، لا ينجسه شيء." عام. الله جل وعلا في الآية يقول: "فلم تجدوا ماءاً." والماء عام جاء عاماً. "فلم تجدوا ماءاً." ما قال ما دون ماء، فلا ينتقل إلى التيمم أو إلى غيره من الأمور إلا عند فقد الماء.

فالخلاصة من هذا، أن الماء إذا خالطه شيء من الطاهرات ما خالطه، كما سمعنا، صابون خالطه سدر، أو ما شابه ذلك، فبقي الماء على أصالته، فإنه طاهر، فإنه طاهر يجوز أن يتوضأ منه، يجوز أن يغتسل به، وما شابه ذلك. فإن خرج الماء عن أصالته، أي صار الماء شيئاً آخر بمخالطة ذلك الغير من الطاهرات، مثال ذلك، شيء ماء، وضع فيه شيء يصير إيش يا جماعة؟ إيش نسميه بعد ما نضع فيه الشاي؟ نغليه يا جماعة؟ إيش نسميه؟ نسميه ماء أم شاي؟

ها يا جماعة؟ شاي. طيب، هل يجوز أن يتطهر به؟ الجواب لا. لماذا؟ لأنه ليس بماء، صار ماذا؟ شاي، عصير، عصير. إنسان أخذ عصيراً من هذه العصائر الموجودة مثلاً، فأخذ ماء وصب عليه عصيراً، خلط العصير بالماء، يقال هذا إيش؟ عصير أم يقال هذا ماء؟ إيش يقال يا جماعة؟ عصير. إذا صار عصيراً، فإنه كذلك. هل يتوضأ به؟ الجواب لا.

إذن، ها هنا عندنا قاعدة وهي: أن الماء إذا خالطه طاهر، فلم يخرج الماء عن كونه ماء، فإنه يتطهر به. فإن أخرج ذلك الطاهر الماء عن كونه ماء إلى شيء آخر، إلى شاي، إلى عصير، إلى غيرها من الأشياء، فإنه لا يكون ماء. وإذا لم يكن ماء، فإنه لا يتطهر به.

واضح يا جماعة؟ هذا خلاصة ما يقال في هذه المسألة.

قالوا، أي الدليل على أن الماء إذا خالطه شيء يبقى على طهوريته؟ قالوا، ولقوله صلى الله عليه وسلم للنسوة اللاتي قمن بتجهيز ابنته: "اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك، كذلك إرائتنا بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور." فيه ماذا؟ أن الماء إذا وضع فيه شيء من السدر يبقى على ما هو عليه ماء. فإذا كان ماءاً، فإنه يتطهر به. واضح يا جماعة؟

كذلك إذا وضع فيه شيء من الكافور، يبقى على ما هو عليه ماء. أيضاً يجوز أن يتطهر به. وكذلك إذا وقع فيه شيء من الصابون. إنسان في بيته غسل، فوقع فيه الإناء، في الوعاء، وقع شيء من الصابون مع الماء. ما دام أنه ماء، يجوز لك أن تتطهر به وضوءاً أو غسلًا.

هذا خلاصة ما يقال.

المسألة الخامسة: حكم الماء المستعمل في الطهارة.

الماء المستعمل في الطهارة، قالوا، كالماء المنفصل عن أعضاء المتوضأ والمغتسل. يعني قد يقول قائل: ما معنى الماء المستعمل؟ الماء المستعمل هو الماء الذي يستعمله الإنسان في طهوره، إما أن يتطهر من حدث أصغر فيتوضأ، أو من حدث أكبر فيغتسل. فالماء الذي يخرج من أعضاء المتوضأ أو من أعضاء المغتسل، يسمى ماءاً مستعملاً.

ما حكم هذا الماء؟ إنسان عنده إناء فيه ماء، أخذ الماء، توضأ، توضأ من ذلك الماء. هذا الماء يسمى ماءاً مستعملاً. ما حكم التطهر بهذا الماء المستعمل في الوضوء أو المستعمل في الغسل؟

قالوا، الماء المستعمل في الطهارة، كالماء المنفصل عن أعضاء المتوضأ والمغتسل، طاهر مطهر. طاهر مطهر لغيره، على الصحيح، يرفع الحدث ويزيل النجس ما دام أنه لم يتغير منه أحد الأوصاف الثلاثة: الرائحة، الطعم، واللون.

هؤلاء، كما ترون، يقولون بأن الماء يبقى على طهوريته، وإن كان مستعملاً. وإن كان ماذا؟ مستعمل.

هذا هو الصحيح. وهذا هو الصحيح، لكن القيد الذي ذكر وهو ما دام أنه لم يتغير منه أحد الأوصاف الثلاثة: الرائحة، الطعم، واللون. الصحيح أنه من غير قيد. الصحيح أنه من غير قيد. الصحيح أنه من غير قيد.

لأن التغير، أي تغير الماء، تغير ريح الماء، أو طعمه، أو لونه، إنما يكون معتبراً إذا كان بنجاسة. إنما يكون معتبراً إذا كان بنجاسة. أما إذا كان بطهارة، بطاهر، فإنه لا أثر له، فإنه لا أثر له.

واضح هذا؟ جماعة، لا؟ واضح هذا؟ جماعة، لا؟

لأن الماء المتساقط من المتوضأ طاهر أم لا؟ هيا، جماعة. إنسان توضأ في إناء، الماء الذي تساقط منه في أثناء الوضوء في الإناء، طاهر أم لا؟ طاهر.

والطاهر إذا وقع في الماء فغير أحد أوصاف الماء، هل يؤثر؟ هيا، جماعة. لا يؤثر. نستصحب المسألة السابقة: إذا وقع الصابون، صابون مثلاً، في الماء، غير لونه أم لا يغير لونه؟ لكن هل يخرج عن كونه ماء طاهراً؟ الجواب لا.

وإنما التغير للريح أو للطعم أو للون يكون مؤثراً إذا كان بسبب النجاسة. لأن بسبب النجاسة إذا تغير الماء، دل على أن النجاسة قد غلبت على الماء، فصار نجساً. الماء الطهارة، فإنها لا أثر لها، فإنها لا أثر لها في ذلك.

فالحاصل أن الماء يكون طاهراً ما دام أنه ماء، ما دام أنه ماء على وصفه وكونه ماءاً.

قال ودليل طهارته أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ كاد يقتتلون على وضوءه، وهذا يدل على أن الوضوء بالماء المستعمل صحيح، وأن الماء المستعمل طاهر مطهر.

قالوا، ولأنه صلى الله عليه وسلم صب على جابر من وضوءه. صب على جابر من وضوءه إذا كان مريضاً. إذا كان من عنده في النسخة الأخرى. إذا كان ها أصحاب النسخة الأخرى عندكم "إذا كان." إذا كان. طيبه، الظاهر من حيث التعبير يكون هكذا، يعني قالوا "إذا كان مريضاً." هذا أجود. ولأنه صلى الله عليه وسلم صب على جابر من وضوءه إذا كان مريضاً، يعني إذا كان غير مناسبة، تفيد كأنها يستمر، إذا كان مريضاً. لكن إذ كان مريضاً، أي عندما كان، عندما كان مريضاً. ما في نسخة يا إخوان؟ إذ؟ طيب. طيب.

قالوا، ولو كان نجساً لم يجز فعل ذلك. قالوا، ولأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونساؤه كانوا يتوضأون في الأقداح والأتوار. بمعنى أنهم يتوضأون. يأتي الرجل يتوضأ، ثم تأتي المرأة تتوضأ، ثم تأتي المرأة تتوضأ، أو يأتي الرجل بعدها يتوضأ. فالكل جائز.

قالوا، ويغتسلون في الأجفان، أو يغتسلون في ماذا؟ في الجفان.

وقد جاء في صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وكذلك جاء خارج سنن، جاء كذلك من حيث حفصة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أنها اغتسلت في جفنة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منها، فقالت له النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: "يا رسول الله، إني اغتسلت منها. إني كنت جنوباً، اغتسلت منها من جنابة." فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الماء لا ينجس." إن الماء لا ينجس.

الماء مستعمل، واستعمل بغسل جنابة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منه، وقال: "إن الماء لا ينجس." وهذا نص في محل الخلاف.

قالوا، مثله، هذا لا يسلم من رشاش يقع في الماء، من المستعمل. ولقوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة، وقد كان جنوباً: "إن المؤمن لا ينجس." بمعنى أن إذا كان المؤمن لا ينجس، بدنه طاهر، وكذلك عقيدته طاهرة، لأنه من أهل الإيمان، فكذلك ما تساقط منه مما من جسده يكون طاهراً، لأنه طاهر، ليس بنجس.

قال وإذا كان كذلك، فإن الماء لا يفقد طهوريته بمجرد مماسة الماء للمؤمن. فالحاصل أن الماء المستعمل طاهر، ويجوز أن يتوضأ منه، وأن يغتسل منه، وأن يتطهر منه مطلقاً.

والله تعالى أعلى وأعلم. وسبحانك الله وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

  • 27 جمادى الأولى 1433هـ - 18/04/2012مـ
  • 5.02MB
  • 21:54

شاركنا على