كتاب الطهارة 13

الدرس في كتاب الطهارة 13، ألقاها

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله حمدًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

ثم أما بعد.

قالوا: الباب الخامس في الوضوء، وفيه مسائل. قالوا: المسألة الأولى: تعريفه وحكمه.

الوضوء لغة: مشتق من الوضاءة، وهي الحسن والنظافة. والوضوء، كما ذكر من ذكر من أهل العلم، يُطلق أو يُقال "الوضوء" بضم الواو والمراد به فعل الوضوء، وبفتح الواو ويراد به الماء المستعمل فيه. وهذا هو قول الأكثر من أهل اللغة، وبعضهم قال: يُطلق الوضوء بفتح الواو على الفعل وعلى الماء المستخدم في الوضوء. وهناك قول ثالث، وبعضهم استضعفه، وهو الضم في الجميع. والأشهر، كما سمعتم، أن الوضوء بضم الواو بمعنى استعمال أو فعل الوضوء، وبفتح الواو استعمال أو الماء المستعمل في الوضوء.

الكلام في الطهارة، أي الطهور وطهور، كالكلام في وضوء ووضوء سواء بسواء.

قالوا: وشرعًا: استعمال الماء في الأعضاء الأربعة، وهي: الوجه، واليدان، والرأس، والرجلان، على صفة مخصوصة في الشرع، على وجه التعبد لله تعالى، كما سيأتي معنا بإذن الله جل وعلا بيان هذا.

استعمال الماء في الأعضاء الأربعة، وهي الوجه، واليدان، والرأس، والرجلان، وسيأتي معنا بإذن الله جل وعلا ما هو الواجب في هذه الأعضاء من حيث الغسل والمسح، وقول على صفة مخصوصة في الشرع جاء بيانها في الشرع وتوضيحها في الشرع، وسيأتي بإذن الله جل وعلا بيان ذلك.

وقولهم: "على وجه التعبد لله"، لأنها عبادة، والعبادة لا بد أن يتعبد الإنسان بها إلى الله جل وعلا.

قالوا: وحكمه أنه واجب على المحدث إذا أراد الصلاة وما في حكمها كالطواف ومس المصحف.

والوضوء بالنسبة للصلاة الأمر فيها واضح وأنها واجبة، وأن الوضوء واجب بالكتاب والسنة والإجماع. أما مسألة الطواف، فالوضوء للطواف هي مسألة خلافية بين أهل العلم، جمهور أهل العلم على أن الوضوء للطواف واجب، وذهب طائفة من أهل العلم إلى أنه ليس بواجب. وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وهو كذلك اختيار وترجيح العلامة العثيمين من المعاصرين، وهو الأظهر لعدم وجود الدليل الدال على وجوب الوضوء على من أراد الطواف بالبيت. والله تعالى أعلى وأعلم.

وكذلك مسألة مس المصحف، القول فيها كالقول في سابقتها: وقع الخلاف، ولا يثبت دليل يوجب على من أحدث أنه يتوضأ. نعم، من توضأ فهو حسن وأفضل، لكن أن يُلزم الإنسان بالوضوء ويؤثم إذا لم يتوضأ، هذا يحتاج إلى دليل، ودليل صحيح، وليس هذا الدليل الصحيح موجودًا في هذه المسألة. والله أعلى وأعلم.

فالأصل أن يُقال إن الواجب على المحدث إذا أراد الصلاة أن يتوضأ أو ما دل الدليل على ذلك، الدليل الواضح على ذلك.

طيب، المسألة الثانية: قالوا: الدليل على وجوبه، وعلى من يجب، ومتى يجب. قالوا: أما الدليل على وجوبه، فقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ" إلى آخر الآية. 

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول." والحديث رواه مسلم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ." والحديث أصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة.

قالوا: ولم ينقل عن أحد من المسلمين في ذلك خلاف، بل، كما ذكر غير واحد من أهل العلم، أن مسألة الوضوء للصلاة من الأمور المعلومة في دين الله جل وعلا بالضرورة. فلا يختلف اثنان من أهل الإسلام في وجوب الوضوء على من أراد الصلاة.

قال: فثبتت بذلك مشروعية الوضوء بالكتاب والسنة والإجماع، والإجماع فيها قطعي، الإجماع في وجوب الوضوء لمن أراد الصلاة إجماع قطعي، لا خلاف بين أهل الإسلام في ذلك.

قال أو قالوا: أما متى يجب الوضوء؟ قالوا: إذا دخل وقت الصلاة أو أراد الإنسان الفعل الذي يُشترط له الوضوء، وإن لم يكن ذلك متعلقًا بوقت، كالطواف ومس المصحف.

قولهم: وأما متى يجب؟ فإذا دخل وقت الصلاة، الأرجح والأصح من أقوال أهل العلم أن وقت الوجوب إذا أراد الصلاة، إذا أراد المسلم الصلاة، وليس إذا دخل وقت الصلاة. ففرق بين إيجاب الوضوء عند دخول وقت الصلاة وبين وجوب الوضوء عند إرادة الصلاة. وهذا واضح، عند دخول الوقت مثلًا، نحن الآن في صلاة العشاء، متى دخل وقت العشاء؟ قبل كم؟ قبل تقريبا نصف ساعة، هكذا. فعلى هذا القول، يجب الوضوء عند دخول وقت العشاء. وعلى القول الصحيح من أقوال أهل العلم، يجب عند ماذا؟ عند إرادة الصلاة. عند إرادة الصلاة، أي عند إرادة الشروع في الصلاة والدخول في الصلاة. إذا أراد الإنسان أن يصلي، يجب عليه أن يتوضأ قبل أن يصلي. واضح هذا؟

وأما قولهم: "أو أراد الإنسان الفعل الذي يشترط له الوضوء"، وإن لم يكن ذلك متعلقا بوقت، كمس المصحف، قد تقدم الكلام على هذا.

المسألة الثالثة: في شروطه، أي في شروط الوضوء. قالوا: ويشترط لصحة الوضوء ما يأتي. يشترط لصحة الوضوء ما يأتي.

ألف: الإسلام والعقل والتمييز. الإسلام والعقل والتمييز. فلا يصح من الكافر ولا من المجنون ولا يكون معتبراً من الصغير الذي دون سن التمييز. الإسلام، كما هو واضح، بمعنى أن إنسانًا لو كان من أهل الكفر، كان كافرًا، وهو على كفره، توضأ، هل ينفع ذلك الوضوء ويكون مقبولًا وصحيحًا؟ الجواب: لا يكون نافعًا ولا مقبولًا. قال الله جل وعلا: "وما منعهم من تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله." فما تقبل منهم أعمالهم وعباداتهم، لأنهم كفروا بالله ورسوله. ومنها الوضوء والطهارة. والعقل والتمييز، أولًا: لأنهم ليسوا من أهل التكليف، وثانيًا، كما سيأتي معنا في الشرط الثاني، يشترط للوضوء النية. والمجنون، وكذلك الصغير المميز، لا نية عنده معتبرة. أي ليس عنده قصد معتبر، لأنه مجنون، والصغير الذي لا يميز، طفل من سنة، سنتين، ثلاث سنوات، إذا وضأه أبوه، هل يميز هذا الوضوء أو يقصد بذلك التعبد؟ الجواب: لا. ومن شرطه، كما سمعتم، النية. إذن، لا يقبل ولا ينفع الوضوء من كافر لما تقدم، ومن كذلك مجنون أو طفل غير مميز. وألقاه بالطفل الغير مميز ليدخل ماذا؟ ويخرج ماذا؟ يدخل الطفل المميز. مثلًا طفل ابن سبع سنين عاقل مميز. هنا هل يصح وضوءه؟ الجواب: نعم. ويدل على هذا ما جاء في السنة من حديث عمر بن شعيب عن أبيه عن جده، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مُروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع." ففي الحديث دلالة على ماذا؟ على أمر الأبوين بالصغار إذا كانوا أبناء سبع سنين بالصلاة، ومعنى بالصلاة بالصلاة وما لا تصح الصلاة إلا به، وهو ماذا؟ وهو الوضوء. واضح هذا؟ ففيه دلالة، كما سمعتم، على أن الطفل المميز العاقل الذي يعقل، يصح وضوءه، وما لم يكن كذلك فلا يصح وضوءه.

الشرط الثاني: النية. من شروط الوضوء النية، لحديث "إنما الأعمال بالنيات." وهذا شرط مع الشروط السابقة مجمع عليها.

قالوا: ولا يشرع التلفظ بها لعدم ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم. أي لا يشرع التلفظ بالنية. إنسان إذا أراد أن يتوضأ، لا يأتي بالماء فيقول: "بسم الله، نويت أن أتوضأ وضوءًا حاضرًا" إلى آخر ما يذكره بعض الناس. بل هذا التلفظ بالنية، كما نص على ذلك غير واحد من أهل العلم، على أنه من البدع المحدثة، من البدع المحدثة التي لا تُعرف عن أحد من السلف ولا الأئمة. وإن من أحدثه من المتأخرين، بل ذكر شيخ الإسلام رحمه الله وغيره أن التلفظ بالنية يدل على نقصان عقل. لماذا يدل على نقصان عقل؟ لأن النية أين محلها؟ القلب أم اللسان؟ القلب. فإذا كان محلها القلب، فما فائدة اللسان؟ واضح هذا؟ ولو خالف اللسان القلب. الإنسان ذهب يتوضأ، دخل وقت صلاة العشاء، ذهب يتوضأ، في أثناء وضوءه نوى وقال: "نويت أن أتوضأ لصلاة المغرب." بعضهم يحدد الصلاة: "نويت أن أتوضأ وضوءًا تامًا كاملًا لصلاة المغرب." وهو الآن في صلاة العشاء. على قول هذا القائل، ما حكم وضوءه؟ على هذا القائل، إذا كان التلفظ شرطًا عنده، وضوءه ليس بصحيح. وعلى القول الصحيح، التلفظ غير معتبر. لماذا؟ لأن النية محلها القلب. واضح هذا؟

جيم: الماء الطهور. أي من شروطه أن يكون الماء المتوضأ به طاهرًا. لماذا؟ لأن الوضوء طهارة، والطهارة لا تكون إلا بطاهر مطهر، كما تقدم معنا في أحكام المياه. قالوا: أما الماء النجس، فلا يصح الوضوء به. وهذا بإجماع، لا خلاف بين أهل العلم أن الماء إذا كان نجسًا، فلا يتوضأ به ولا يصح في الطهارة. بل العلماء رحمهم الله كما تقدم، اختلفوا في صحة الماء إذا خُلط بشيء من النجاسة. بل الماء من الطهارة هو طاهر. قالوا: لا يصح التوضأ به، كالنبيذ ونحوه، كما مر معنا في أحكام المياه. فكيف بالماء النجس؟ فمن باب أولى أنه لا يصح الوضوء به.

قالوا: الثالث: إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، من شمع أو عجين ونحوه، كطلاء الأظافر الذي يعرف بين النساء اليوم. إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة. أي من شرط الوضوء وصول الماء إلى البشرة. فإذا كان في البشرة عازل يعزل من وصول الماء إلى البشرة، كما ذكر هنا، شمع، أو طلاء، الذي نسميه "رنجة"، أو ما يفعله بعض النساء من طلاء الأظافر كذلك، وأيضًا بعض النساء ما يفعلونه من الخضاب، نوع من الخضاب عازل يكون عازلًا من وصول الماء إلى البشرة، يكون هناك طبقة عازلة من وصول الماء إلى البشرة. فكل ما يمنع وصول الماء إلى البشرة فلا يصح الوضوء بوجوده، بل يجب إزالته.

قالوا: ها: الاستجمار أو الاستنجاء عند وجود سببهما. لما تقدم، الاستنجاء أو الاستجمار، كما تقدم معناه، هو المسح بالحجارة أو الاستنجاء، وهو الغسل بالماء عند خروج الغائط أو البول أو ما كان في معناها من النجاسات من أحد السبيلين. قالوا: عند وجود سببهما. بمعنى أنه إذا بال أو تغوط، عليه أن يستجمر أو أن يستنجي قبل أن يتوضأ، ولا يقول: "سأتوضأ، والوضوء يكفي." فيدخل وهو على نجاسة. بل يجب عليه أن يطهر المحل، إما باستجمار أو باستنجاء. إذا لم يكن أصلا، فالأمر فيه واضح.

قالوا وقيدوا: "عند وجود سبب." قالوا: السادس: الموالاة. الموالاة، وسيأتي الكلام عليها بإذن الله جل وعلا في مسألة خاصة. وزي الترتيب، الترتيب كذلك، سيأتي الكلام عليها بإذن الله جل وعلا في مسألة، في الكلام على فروض الوضوء، وسيأتي معنا بإذن الله جل وعلا معنى الموالاة. الموالاة، معناها: موالاة الأعضاء، بألا يكون هناك فاصل بين الأعضاء في الوضوء. ومعنى الترتيب: ترتيب أعضاء الوضوء بحسب ما جاء في كتاب الله جل وعلا، يبدأ بغسل الوجه، ثم اليدين، ثم مسح الرأس، ثم الرجلين. وسيأتي معنا بإذن الله جل وعلا على حكم الموالاة، وعلى حكم كذلك الوضوء.

عند هذا الكلام، نكتفي بهذا القدر إلى هنا.

سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
 

  • 12 جمادى الآخرة 1433هـ - 03/05/2012مـ
  • 4.76MB
  • 20:48

شاركنا على