كتاب الطهارة 19

الدرس في كتاب الطهارة 19، ألقاها

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمدًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. ثم أما بعد،

ما زلنا في مسائل الوضوء من كتاب الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة. قالوا: المسألة الثامنة ما يستحب له الوضوء؟ قالوا: يستحب الوضوء في الأحوال التالية:

واحد: عند ذكر الله تعالى وقراءة القرآن. أي إذا ذكر الإنسان ربه جل وعلا أو قرأ القرآن، يستحب له أن يتوضأ. وقد يستدل بما جاء في حديث ابن عمر وغيره، حينما مر رجل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه السلام. ثم بعد أن قضى حاجته، في رواية، هو ضرب على الأرض فتيمم، ثم رد عليه السلام. في هذا المعنى، أنه يستحب له، يعني كما جاء في الحديث، قال: كرهت أن أذكر الله على هذه الحالة. فمن المواطن التي يستحب فيها الوضوء، كما ذكرنا، عند ذكر الله جل وعلا، وكذلك عند قراءة القرآن، وهو من أعظم الذكر لله رب العالمين.

قالوا: الثاني، عند كل صلاة. أي وإن كان الإنسان على طهارة. وإن لكما مر معنا، أن الإنسان إذا كان على حدث، فإنه يجب عليه أن يتوضأ. لكن هنا، من المسائل المستحبة، أن الإنسان إذا صلى صلاة بوضوء، ثم جاءت الصلاة الأخرى، فيستحب له أن يتوضأ. قالوا: لمواضبته صلى الله عليه وسلم على ذلك، كما في حديث أنس رضي الله عنه، قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة". فهذا يدلنا على أنه يستحب للإنسان وإن كان على طهارة. إن صلى بتلك الطهارة صلاة، وجاءت الصلاة الأخرى وهو على طهارة، يستحب له أن يتوضأ لمواضبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك. وإن صلى بتلك الطهارة الأولى، فيجزئه ذلك وصلاته صحيحة.

قالوا: الثالث، يستحب الوضوء للجنب إذا أراد أن يعود للجماع، أو أراد النوم، أو الأكل، أو الشرب. قالوا: لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم أهله، ثم أراد أن يعود، فليتوضأ". والحديث قال، وأخرجه مسلم. وقالوا: لحديث عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب، أي من أهله، قالت: "توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام". فهذه من السنن المستحبة، أن الإنسان إذا أتى أهله وكسل عن الغسل، أو أراد أن يؤخر الغسل لأمر أو لآخر، يستحب له أن يتوضأ ثم ينام. إن أراد النوم، كذلك قالوا في رواية لها: فأراد أن يأكل أو ينام. وفي رواية أخرى، وهي في صحيح مسلم. وقالوا: في رواية أخرى، فأراد أن يأكل أو ينام. ففيه كذلك دلالة على استحباب الوضوء لمن كان جنوبًا فأراد أن ينام أو أراد أن يأكل، ويدخل في الأكل كذلك الشرب.

وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه إذا كان على جنابة فأراد أن ينام، أو يأكل، أو يشرب، توضأ وضوءه للصلاة. وهذا يدلنا على هذا المعنى وهذا الأمر، أن هذا الموضع من المواضع المسنونة المستحبة فيها الوضوء.

قالوا: الموضع الرابع، الوضوء قبل الغسل. أي قبل الغسل، إما للجنابة، وإما للجمعة، أو إذا طهرت المرأة من حيض أو من نفاس، أو ما شابه ذلك. قالوا: الوضوء قبل الغسل لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة، يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة". ففيه استحباب الوضوء قبل الغسل.

قالوا: الخامس، عند النوم. لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضجع على شقك الأيمن". ففي هذا الحديث، إرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم وحث منه على الوضوء لمن أراد النوم. أن الإنسان إذا أراد أن ينام، يتوضأ قبل نومه وضوءه للصلاة، ثم يضجع على شقه الأيمن، وذكر باقي الحديث الذي فيه ذلك الذكر. والحديث كما ذكر المخرج في صحيح البخاري.

قالوا: وبهذا نكون قد انتهينا من مسائل متعلقة بالوضوء من حيث الوجوب والشروط والنواقض وما شابه ذلك من الأمور التي مرت معنا.

طيب، قالوا: الباب السادس في المسح على الخفين والعمامة والجبيرة. وفيه مسائل. وذكر هذا الباب بعد الباب الذي قبله للعلاقة بينهما، فإن المسح على الخفين والعمامة والجبيرة هي من الأمور المتعلقة بالوضوء. فلذا ذكر هذا الباب بعد الباب الذي قد تقدم.

قالوا: الخف هو ما يلبس على الرجل من جلد ونحوه، وجمعه خفاف. ويلحق بالخفين كل ما يلبس على الرجلين من صوف ونحوه. فقولهم هو ما يلبس على الرجل من جلد ونحوه، وجمعه خفاف. وكذلك قول "ويلحق بالخفين كل ما يلبس على الرجلين من صوف ونحوه". لابد من زيادة قيد، وهو أن يكون ساترًا للكعبين. أن يكون ساترًا للكعبين، لأنه إذا لم يكن ساترًا للكعبين، فلا يأخذ حكم الخف. فالضابط في الخف، كما عرفه بعض أهل العلم، هو ما يلبس على الرجل من جلد ونحوه. أو قالوا: هو ما غطى الكعبين من ملبوس الرجل من جلد ونحوه. فإذا لابد في الخف من أن يخفي الكعبين. فإذا كما سمعتم لابد من ذكر القيد المذكور.

قالوا: المسألة الأولى، حكم المسح على الخفين ودليله. قالوا: المسح على الخفين جائز باتفاق أهل السنة والجماعة. وقولهم "جائز باتفاق أهل السنة والجماعة" فيه إشارة إلى أن غيرهم من أهل البدع والأهواء قد خالفوا في هذا. وأشهر من عرف عنهم المخالفة في هذه المسألة الشيعة، فالشيعة لا يرون المسح على الخفين. لذا نجد أهل العلم من المصنفين في كتب العقائد ربما ذكروا وأدرجوا مسألة المسح على الخفين في كتب العقائد إشارة إلى الرد على هؤلاء من أهل الأهواء والبدع.

قالوا: المسح على الخفين جائز باتفاق أهل السنة والجماعة، وهو رخصة من الله عز وجل تخفيفًا منه على عباده ودفعًا للحرج والمشقة عنهم. وقد دل على جوازه السنة والإجماع. إذن المسح على الخفين رخصة من الله جل وعلا، وكما ذكر أنه قد دل على جوازها السنة والإجماع. وبعض أهل العلم قال: وكذلك دل عليها الكتاب. دل عليها كتاب الله جل وعلا، استدلالًا بالقراءة السبعية في قول الله جل وعلا: "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم" على قراءة الجر "وأرجلِكم" و"وأرجلَكم". قالوا: وهذا "وامسحوا برؤوسكم وأرجلِكم" إذا كان على الرجلين الخف، فبعض أهل العلم قالوا على قراءة الجر، وهي قراءة سبعية، يستفاد منها جواز المسح على الخفين من دليل الكتاب. وكما ذكر قالوا: وقد دل على جوازه السنة والإجماع.

قالوا: أما السنة فقد تواترت الأحاديث الصحيحة على ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله وأمره بذلك، وترخيصه فيه. والصواب: وترخيصه فيه. من عنده من أصحاب النسخة الأخرى. الصواب يا جماعة، من عنده نسخة أخرى غير نسختنا؟ ما أحد؟ كلكم عنده. وترخيصهم؟ طيب، يعني يفعلوا في نسختنا كذا، والصواب ترخيصه، كما في نسخة. والصواب: ترخيصه، كما في نسخة. طيب. بمعنى أنه قد تواترت الأحاديث الصحيحة على ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين، وأمره، أي أنه أمر أصحابه بأن يمسحوا على الخفين. وترخيصه، بمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن ورخص لأصحابه بأن يمسحوا على الخفين.

قال الإمام أحمد رحمه الله: "ليس في قلبي من المسح شيء، فيه أربعون حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم". قالوا: والمراد بقوله "ليس في قلبي" أدنى شك في جوازه. بمعنى أنه

 جائز، لتواتر الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. فقد رواه، كما ذكر الإمام أحمد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أربعون صحابيًا. وفيه أربعون حديثًا. الأصح أنه فيه أربعون حديثًا. وبعضهم، كما سيأتي معنا عن الحسن، قال: وقال الحسن البصري: "حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين". وهذا الأثر عن الحسن ذكره الإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى، وإسناده يحتاج إلى تفقد، لأنه من طريق محمد بن الفضل بن عطية. فإن كان هو هذا المشهور، فهو رجل متروك الحديث. وإذا كان غيره، فالله أعلم من هو.

طيب، قالوا: من هذه الأحاديث، طيب قبل هذا، ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في "التلخيص الحبير" أن بعض أهل العلم استقصى البحث في أحاديث المسح على الخفين، فوقف على نحو ثمانين صحابيًا. وهذا يدلنا على أنها ثابتة. كما قال إمام أحمد رحمه الله تعالى: "ليس في قلبي شك في ثبوتها".

ومن هذه الأحاديث، حديث جرير بن عبد الله قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال، ثم توضأ، ومسح على خفيه". وهذا من فعله صلى الله عليه وسلم. يقول جرير بن عبد الله رضي الله عنه: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال، ثم توضأ، ومسح على خفيه". والحديث كما ذكره، رواه مسلم. ونحوه في البخاري، عن المغيرة بن شعبة. قال الأعمش، عن إبراهيم النخعي، قال: "كان يعجبهم هذا الحديث" أي العلماء والأئمة. لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة، يعني آية الوضوء. ومعنى هذا أن العلماء والأئمة رحمهم الله تعالى أعجبهم حديث جرير، لأن جرير كما قيل إنه أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنوات، وقيل بأربع. فكان إسلامه بعد نزول سورة المائدة، وآية الوضوء. فقوله: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال، ثم مسح، أو قال ومسح على خفيه" فيه دلالة على أن المسح على الخفين لم ينسخ. لأن قائلا قد يقول: إن المسح على الخفين كان رخصة في أول الأمر، قبل نزول آية الوضوء. فلما نزلت آية الوضوء، صار الأمر على ماذا؟ على الغسل، ونسخ المسح. لكن حديث جرير جاء فيه أنه قال هذا الحديث، ثم قال: "وما أسلمتم إلا بعد سورة المائدة". جاء في بعض الروايات، في بعض الطرق، أن جرير بعد أن حدث بهذا الحديث، قال: "وما أسلمتم إلا بعد آية المائدة". وقال: "آية الوضوء". وفي هذا نص واضح صريح أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين إلى أن لقي ربه جل وعلا، وأن المسح على الخفين لم ينسخ، بل هو من المحكم.

قال: وقد أجمع العلماء من أهل السنة والجماعة على مشروعيته في السفر والحضر، لحاجة أو لغيرها. وهذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم، أن المسح على الخفين يكون في السفر، ويكون كذلك في الحضر، ويكون لحاجة، ويكون لغير حاجة. أي سواء احتاج الإنسان للمسح أم لم يحتج. لبس الخفين فمسح عليهما، له أن يمسح، سواء كان في الحضر أو في السفر، يشرع له أن يمسح كذلك على الخفين.

قال: وكذلك يجوز المسح على الجوارب، وهي ما يلبسه على الرجل من غير الجلد، كالخرق ونحوها، وهو ما يسمى الآن بالشراب. الشراب معروفة. قال: لأنهما كالخف في حاجة الرجل إليهما، والعلة فيهما واحدة. وقد انتشر لبسها أكثر من الخف، فيجوز المسح عليها إذا كانت ساترة. أي إذا كانت ساترة للكعبين. إذا كانت ساترة للكعبين، أي تغطي الكعبين حتى تأخذ حكم الخف في هذا الأمر. والعلماء رحمهم الله تعالى، العلماء والفقهاء رحمهم الله تعالى، في مسألة المسح على الخفين جعلوا ضابطًا مطلقًا، وهو أن كل ما غطى الكعبين من جلد أو من خرق، أو من غيرها، كل ما غطى الكعبين فإنه يأخذ حكم الخف في المسح على الخفين، سواء كان من جلد، سواء كان من صوف، سواء كان من ثياب، سواء كان كذلك من خشب، ونحو ذلك.

قالوا: المسألة الثانية، شروط المسح على الخفين وما يقوم مقام الخفين. قالوا: وهذه الشروط هي، أي ما هي الشروط التي بتوفرها يصح المسح على الخفين، وباختلالها أو اختلال واحد منها لا يصح المسح على الخفين، فيكون من مسح عليها مسحه غير صحيح.

العلماء رحمهم الله تعالى ذكروا شروطًا مأخوذة من أدلة الكتاب والسنة. قالوا: وهذه الشروط هي: لبسهما على طهارة. أي أول هذه الشروط، لبسهما على طهارة. ومعنى لبسهما على طهارة، أن يتوضأ الإنسان وضوءًا تامًا كاملًا، ثم يلبس الخفين. فإذا لبس الخفين وصلى فيهما ما صلى وما يسر الله من الصلاة، ثم أحدث، فله أن يمسح على الخفين. يتوضأ وضوءه للصلاة، فإذا وصل إلى الرجلين يمسح على الخفين. فالشرط الأول أن يكون على طهارة.

وهل الطهارة طهارة وضوء أم أنه يتعدى إلى التيمم؟ الذي عليه الجمهور من أهل العلم أن المسح على الخفين خاص بالطهارة التي هي عن وضوء، لأن التيمم إنما هو طهارة لعضوين اثنين، الوجه واليدين. فالوجه واليدين، فكما سمعتم، الذي عليه الجمهور، وهو الذي كذلك اختاره طائفة من المحققين، أن المسح على الخفين يكون من طهارة وضوء. لأن التيمم لا يجوز فيه المسح على الخفين، لأن طهارة الوضوء تتطلب غسيل اليدين والرجلين، بينما طهارة التيمم قد لا تشمل كل أجزاء القدمين.

إذن عندنا صور ثلاثة في مسألة لبس الخفين على طهارة. إن كان على وضوء، إن لبسها على وضوء، فله أن يمسح عليهما باتفاق أهل السنة والجماعة. الصورة الثانية، إذا كان لبسهما من طهارة تيمم، فإن كان ذلك، فيجب خلع الخفين وإعادة الطهارة الكاملة. الصورة الثالثة، إذا لبسهما بعد غسل الجنابة، دون وضوء، فهنا نقول إنه لا يجوز له أن يمسح عليهما دون وضوء، بل يجب خلع الخفين وإعادة الطهارة الكاملة.

قالوا: الشرط الثاني، سترهما لمحل الفرض. أي المفروض غسله من الرجل. ما هو المفروض غسله من الرجل؟ إلى الكعبين. وهل الكعبين للغاية، أم أنها تدخل في المسح؟ الكعبين للغاية، ولا يشترط تغطية أجزاء منها. فالضابط في الخف أن يغطي القدمان كاملة إلى فوق الكعبين.

قالوا: سترهما لمحل الفرض. أي المفروض غسله من الرجل. فلو ظهر من محل الفرض شيء، لم يصح المسح. هذا الشرط يحتاج إلى تفصيل، وهو إذا خلع أحد الشراب أو الخفين، حتى ظهرت الكعبين، حينها يجب خلع الخفين ومسح القدمين.

وبهذا نكون قد أنهينا الفقرة. سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
 

  • 16 جمادى الآخرة 1433هـ - 07/05/2012مـ
  • 7.15MB
  • 31:15

شاركنا على