كتاب الطهارة 26

الدرس في كتاب الطهارة 26، ألقاها

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمدًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا. ثم أما بعد:

قالوا: الباب التاسع في النجاسة وكيفية تطهيرها، وفيه مسائل. في النجاسات وكيفية تطهيرها، وفيه مسائل. المسألة الأولى: قالوا: تعريف النجاسة. المسألة الأولى: تعريف النجاسة ونوعها. تعريف النجاسة ونوعها. قالوا: النجاسة هي كل عين مستقذرة أمر الشارع باجتنابها. وهذا أحد التعاريف للنجاسة. وحاصله أنها عين مستقذرة، وأمر الشرع باجتنابها لما فيها من معنى النجاسة. قالوا: وهي نوعان: نجاسة عينية أو حقيقية، وهي التي لا تطهر بحال، لأن عينها نجسة، كروث الحمار، والدم، والبول.

طيب، قولهم "نجاسة عينية أو حقيقية" بمعنى أن عين الشيء نجس، أو حقيقة الشيء نجس. وقولهم "وهي التي لا تطهر بحال" لأن النجاسة متأصلة فيها. النجاسة متأصلة فيها، فلا يطهرها المطهرات لأن عينها نجسة. وقولهم "كروث الحمار، والدم، والبول" مثل روث الحمار. وكذلك الدم، ونجاسة هذين الأمرين فيه نزاع بين العلماء. ولو أنهم مثلوا بشيء متفق عليه لكان خيرًا وأولى. كأن يقال: كغائط الإنسان وبوله. فغائط الإنسان وبوله نجيس باتفاق، بإجماع العلماء. فينبغي أن يكون التمثيل بأمر لا يتنازع فيه. وأما مسألة روث الحمار، وكذلك الدم، سيأتي الكلام عليها بإذن الله جل وعلا عند الكلام على أنواع النجاسات بإذن الله جل وعلا، أي التي قام عليها الدليل.

في المسألة الثانية: وقولهم "لأن عينها نجسة"، نضرب مثالًا بالبول الذي هو متفق عليه، أي بول الآدمي. يعني كذلك، البول ينبغي أن يُقيد ببول الآدمي. فإذا التمثيلات تحتاج إلى تقييد، الأمثلة الثلاثة المذكورة تحتاج إلى تقييد واستبدال، فيقال: كبول الإنسان وغائطه. يكون التعبير الأدق والأسلم أن يقال: كبول الإنسان وغائطه. أما القول "كروث الحمار"، كما تقدم، فيه نزاع بين العلماء. والدم كذلك فيه نزاع بين العلماء. والبول مطلق، ولم يقيد ببول الآدمي. فيدخل فيه كل بول، بول الآدمي، وبول غيره. وسيأتي معنا التفصيل في هذه المسألة بين بول الآدمي وغيره من الأبوال بإذن الله جل وعلا.

فالحاصل أن التمثيل ينبغي، كما سمعتم، أن يقال: كبول الإنسان وغائطه. فنضرب مثالًا ببول الإنسان. بول الإنسان نجاسته نجاسة عينية، ذاتية، حقيقية، فلا يطهر أبدًا. فلا يطهر أبدًا. فلا يطهر أبدًا. ما يأتي إنسان يحاول مثلًا إذا صب الماء على البول يقول: خلاص تطهر البول، صار البول طاهرًا. لأن نجاسته عينية. نجاسته عينية.

قالوا: الثاني: نجاسة حكمية. قالوا: وهي أمر اعتباري يقوم بالأعضاء ويمنع من صحة الصلاة. ويشمل الحدث الأصغر الذي يزول بالوضوء، كالغائط، والحدث الأكبر الذي يزول بالغسل، كالجنابة. وكذلك هذا الأمر فيه نظر، أي إطلاق النجاسة ولو كانت حكمية على الحدث الأصغر أو الأكبر. وذلك لأن الحدث الذي يحصل بالإنسان، سواء كان حدثًا أصغر، كالبول والغائط، أو النوم المستغرق، على ما مر معنا من الأحداث، أو الحدث الأكبر، كالجنابة، فإن هذه الأشياء لا يقال فيها بأنها نجاسة، ولا حكمية. لماذا؟ لأن المسلم لا ينجس، والمؤمن لا ينجس. وهذه الأشياء إنما هي أحداث رتب عليها الشارع أمورًا وعبادات. فرتب على الحدث الأصغر الوضوء، لا لأنه نجس أو نجاسة. يعني، مثلًا، النوم، الإغماء، أو مثلًا الفساء. من يقول بأنه نجس؟ ولكنه ماذا؟ يوجب الوضوء. يوجب الوضوء.

وكذلك الجنابة، الإنسان إذا حصلت منه الجنابة. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة حينما أصابته الجنابة، فأخبره بما صنع، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن المسلماء، وفي رواية المؤمن، لا ينجس. والحديث متفق عليه. وكذلك جاء في صحيح مسلم الحديث حديث بنحوه أن المؤمن لا ينجس. إذن، إطلاق النجاسة الحكمية على مثل هذا محل نظر. لذا بعض أهل العلم يضرب مثالًا بالنجاسة الحكمية بالنجاسة الطارئة على الإنسان التي تزول بالطهارة. مثال ذلك: أن يقع في نعل الإنسان أو في ثوبه شيء من النجاسة، فيزيلها. فهذه النجاسة الواقعة في ثوب الإنسان طارئة، ينبغي إزالتها، لا لأن الثوب نجس، ولكن لوقوع النجاسة فيه. فحكمه أن يطهر ذلك الثوب من تلك النجاسة.

قالوا: والأصل الذي تزال به النجاسة هو الماء، فهو الأصل في التطهير، لقوله تعالى: "وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ." وقولهم "الأصل في تطهيره" أو في إزالة النجاسة الماء، فيه إشارة إلى أن غير الماء إذا طهر، فإنه يصح به. وكما يقول العلماء، رحمهم الله تعالى، إزالة النجاسات من باب التروك. وما كان كذلك، فما أزال النجاسة فإنه يكون مزيلا لها، سواء كان بالماء أو كان بغير الماء.

أما الماء فقد تقدم ذكره. وأما غير الماء، مثاله ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه، عند أبي داود وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أحدكم المزيج، فلينظر فيه نعليه، فإن وجد بهما أذىً، فليمسحهما بالتراب." هنا حصلت إزالة للنجاسة بماذا؟ بالماء؟ لا، بالتراب. وكذلك في شأن تلك المرأة التي جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم تستفتيه، أنها تمر بالأمكنة النجسة، وثوبها طويل، وربما علقت به بعض تلك النجاسات، فما تصنع؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "ألست تمرين بعد ذلك بالأرض الطيبة؟" قالت: "نعم." فقال: "هذه بتلك." أو كما قال صلى الله عليه وسلم. الحديث في الصحيح المسند لشيخنا رحمه الله. والشاهد أن الإزالة حصلت بالتراب، ومن غير قصد. لماذا؟ لأن باب إزالة النجاسات من باب التروك. وما كان من باب التروك، فلا يشترط فيه النية.

واضح على جماعة أم لا؟ فإذا تزال النجاسة، سواء كان بالماء أو بغيره. يعني، مثال آخر: رجل أصيب ثوبه بنجاسة بول، مثلًا، فما يدري. فغسله، مثلًا، ببنزين. واضح جماعة؟ أو غسله بشراب عصير، فذهبت تلك النجاسة، وزالت تلك النجاسة. هل نقول له: "يجب عليك أن تغسله بالماء؟" الجواب: إن العين نجاسة، مادام ذهبت وزالت، فهذا هو المطلوب، وهذا هو المقصود. وإن كانت إزالة النجاسة بالماء أفضل وأولى. فهذا خلاصة ما يقال.

طيب، قالوا: وهي على ثلاثة أقسام، أي النجاسة على ثلاثة أقسام، من حيث غلظتها وعدمه. قالوا: نجاسة مغلظة، أي شديدة، وهي نجاسة الكلب وما تولد منه. والصحيح من أقوال أهل العلم في الكلب: وللعلماء في نجاسة الكلب من عدمه ثلاثة أقوال: القول الأول: بأن الكلب كله نجس، والقول الثاني: بأن الكلب طاهر، والقول الثالث الوسط، وهو أن الكلب طاهر إلا لعابه أو لسانه. وهذا لعله أعدل الأقوال وأحسن الأقوال، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب." كما في هذه اللفظة في مسلم من حديث أبي هريرة. وإن كان الحديث أصله في الصحيحين. وقوله "الطهور" يدل على أنه قد تنجس.

وبقية جسده، أي جسد الكلب، ليس بنجس. يدل على هذا أولًا الأصل، وهو أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يثبت الدليل الواضح على نجاستها. هذا أمر. والأمر الثاني، ما ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: "كنت شابًا عزبًا، أبيت في المسجد، وكانت الكلاب تغدو وتروح في المسجد، ولا يغسل من أثرها." أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه. الشاهد أنه لو كانت نجسة، لأمر بغسل أماكن الكلاب. فلما لم يؤمروا بذلك، دل على أنها ليست بنجسة، وإنما أمروا بغسل الآنية إذا ولغ فيها الكلب. إذا نجاسة الكلب على إطلاقه، يعني القول بأن الكلب نجس مطلقًا، ليس بصواب. والقول بأن الكلب طاهر مطلقًا، ليس بصواب. والصواب بأن لعاب الكلب وريق الكلب نجس. نجس لما ذكر من الأدلة.

وإذا علم هذا، فالقول بأن "نجاسة مغلظة، وهي نجاسة الكلب وما تولد منه." ما معنى "ما تولد منه؟" أي أن عرق الكلب نجس، عرق الكلب نجس. وهذا مبني على ماذا؟ على القول بأن الكلب كله نجس. والصواب أن لعابه وريقه ولسانه هو النجس. والله أعلى وأعلم. ولو مثل بالخنزير لكان أولى. لكان أولى، والله أعلى وأعلم. فالخنزير كله نجس، وهو من أخبث الحيوانات.

الثاني: نجاسة مخففة. قال: وهي نجاسة بول الغلام الذي لم يأكل الطعام. وهي نجاسة بول الغلام الذي لم يأكل الطعام.

طيب، في هذه العبارة أمران ننبه عليهما. الأمر الأول: أن بول الغلام هل هو نجس أو طاهر، أي الغلام الذي لم يطعم؟ وهذه المسألة من أهل العلم نقل اتفاق العلماء على نجاسة بول الصبي الذي لم يطعم. الصبي الذي لم يطعم. ومنهم من نقل الخلاف. وعلى القول بأن في المسألة خلاف، فالصواب فيها بأنه نجس. نجس ولكن خففت نجاسته. والدليل على هذا سيأتي معنا بإذن الله جل وعلا في المسألة الآتية. ومما لم يذكر في الكتاب، ما جاء في سنن أبي داود من حديث أبي السمح، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يرش من بول الغلام، ويغسل من بول الجارية." الشاهد منه: يرش من بول الغلام. فقال العلماء، رحمهم الله تعالى، فيه دلالة على أن بول الغلام يرش منه لأن فيه نجاسة، ولكنها مخففة. بخلاف بول الجارية، فإنه نجس، لذا أمروا بغسل بولها. هذا أمر.

الأمر الثاني: ما هو الضابط في الغلام الذي لم يطعم؟ أي متى يقال للغلام بأنه يطعم، ومتى يقال في الغلام بأنه لا يطعم؟ قال العلماء، رحمهم الله تعالى، ومنهم الحافظ ابن حجر نقلا عن النووي، المراد بالطعام أي بما لم يطعم. قال: المراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه، والتمر الذي يحنك به، والعسل الذي يشربه للدواء، يعني يلعقه للدواء ونحوه. قال رحمه الله: "قال: فكان المراد أي لم يطعم الطعام." فكان المراد أنه لم يحصل له الاكتفاء بغير اللبن على الاستقلال. يعني، معناه لم يطعم، أي لم يأكل الطعام استقلالًا، لم يستقل بأكل الطعام دون اللبن. أما إذا كان يشرب اللبن وهو الأصل، وأحيانًا، أحيانًا، ربما أكل أو أطعم شيئًا، فهذا لا عبرة بالشيء النادر، لا عبرة بالشيء النادر. متى يكون معتبرا ويأكل الطعام؟ إذا كان الطعام وجبة معتبرة عند هذا الطفل لا يستغني عنها، لا يستغني عنها، فهذا هو الأمر الثاني الذي أردنا تنبيه عليه. والله تعالى أعلى.

سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

وهذا سؤال: امرأة بعد ظهور القصة البيضاء بعد الحيض يظهر في اليوم الثاني لمعان الدم، فهل تؤخر الطهارة إلى اليوم الثاني أم تظهر اليوم الأول؟ الجواب: أنها إذا رأت القصة البيضاء وتيقنت من ذلك، فهي المعتبرة في ذلك، لما جاء في صحيح البخاري وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها، أن النساء كن يأتينها، فكانت تقول: "اصبرن أو تأخرن حتى ترين القصة البيضاء." فإذا رأت القصة البيضاء، فهو الطهر المعتبر، ويجب عليها الغسل والصلاة. فإن ظهر بعد ذلك لمعة دم، فتنظر هذه المرأة في ذلك الدم، فإن تيقنت بأنه دم حيض وصار ذاك السائل الذي رأته محل شك، عملت باليقين. وإن كان مشكوكًا في ذلك الدم، هل هو دم حيض أم لا؟ فالشك لا يزيل اليقين. فتبقى على طهارتها، والله أعلى وأعلم. سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

شاركنا على